Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
عادل الزبيري
عادل الزبيري
Archives
10 novembre 2008

إلى ياسين... مع كثير من الوفاء الرمادي اللون

كلما رأيتك من خلف الزجاج، هناك في غرفة الإنعاش، إلا وينتابني خوف ما في داخلي، لا أعرفه من أين يأتي، غلا أني مسلم بما تكتبه الملائكة، في السماء، من الحبر المقدس، عنا كمخلوقات دنيوية، قدرها أن تعيش لحظات من التعاسة، وأويقتتات مسروقة من الفرح الباكي.

كان الجمعة، يوما عاديا جدا، في الممارسة اليومية، لمهنة الصحافة، التقيت باكرا بياسين، مع السائق عبد الإلاه، الشهير بعبود على الحدود، وتوجهنا، إلى الصخيرات، قرب الرباط، لتغطية المؤتمر الثامن لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في شوطه الثاني، وكالعادة تقاسمنا ضحكا، وتجادلنا في زوايا التصوير، وكيف هي أحسن طريقة ليكون التقرير حسن المذاق التلفزيوني.

كان دماغي لا يزال ثقيلا، لعدم شربي قهوة الصباح، وهذا من خصال أهل الشمال المغربي، قلت له صراحة لا رغبة لي في العمل نهائيا اليوم، ولا في الاستماع إلى خطب اليساريين التي تأتي بالنوم سريعا، إلا أنه قال لي، أنا سأعد التقرير، فأجبته، وأنت اكتب عليه تعليقا كذلك، واكتب في الختام، عادل الزبيري، العربية، الصخيرات، قرب الرباط.

توقفنا في الباب الرئيسي للمؤتمر، لأننا لم نكن نملك جوازات الدخول، ضحكنا قليلا مع الحارس في الباب، ودخلنا للعمل، وعلى وجهي لا يزال النوم، يظهر، إلا أن رؤيتي لعبد الواحد الراضي، شدت همتي، وتوجهت صوبه، لأول استجواب للتقرير، وهكذا من هنا، إلى هناك، في قصر المؤتمرات لكبير الحجم، إلى أن انتهى التقرير، ورجعنا إلى المكتب للتوضيب.

تفارقنا في المساء، ليلا، حوالي التاسعة، وقصدت البيت، وهو ركب دراجته النارية، صوب المنزل في سلا، وبينما أستعد للنوم، حوالي ساعة قبل النوم، يرن الهاتف، برسالة قصيرة، أسأل على الطرف الثاني من الخط، عبر اتصال هاتفي، مع شقيقه، يعطيني التفاصيل، التي أوقفت الدم، في عروق رأسي، وأنستني تعب اليوم، ورميت من علي لباس النوم، وركضت صوب سيارة الأجرة، صوب قسم المستعجلات، هناك رأيت ياسين، المصور والصديق العزيز، ملفوفا بضمادة بيضاء، على الرأس، آلمني المشهد كثيرا، وكأن سيفا حادا، مر على عنقي.

سريع هو الرقن الآلي، على أزرار الحاسوب، ومفجعة هي الصورة، التي أرى عليها كل يوم، من رافقني شهورا طويلة في البرد والمطر، في الشمس والحر، وتناولنا سوية حلاوة تقارير، طفنا من أجلها المغرب، بحثا عن أحسن صورة للعربية، في المغرب، وليكون للمشاهد المغربي صورته على العربية.

كما حملت أنا حب المهنة التي دخلتا من باب العلوم الرياضية والفيزياء، هاربا لها من واقع الحسابات والمعادلات، سكنتني وسكنتها، بقوة، كان ياسين، أعاده رب العزة، للكاميرا من جديدة، عائقا لما يفعل، يقدم على كل شيء، ليكون التقرير جيدا، ويقترح ويشاكس، ويجادل بإلحاح أهل جبال مدينة وزان، وكثيرا ما قلت له، لأنه من مدينة سلا، انتم أهل سلا، أهل بلا، ويضحك، مجيبا نحن قراصنة العاصمة، ويحلو النهار عندما نقتسم الفاصوليا على الطريقة المغربية أو سمكا مشويا أو غيرها مما يسد رمق اليوم بعيدا عن العائلة.

قبل الافتراق يوم الجمعة، اتفقنا على العودة إلى الصخيرات، الأحد لإكمال مسلسل المؤتمر العام لحزب الوردة، إلا أني ما كنت حاسبا أني سأراه تلك الليلة على السرير يعاني، في صمته، وعنفوانه الذي يرفض الاستسلام نهائيا، بالرغم من كل ما قد يدور به، من نوائب الدهر ومشاكل اليوم، وسوداوية الحياة، البسمة دوما سلاحه الذي يكسر به حال الحياة.

ياسين يصارع اليوم من أجل حياته، بقوة وبشراسة، وعندي اليقين بأنه سينجح في مصارعة الموت، بقوة بأسه، وحبه لمهنته، وللكاميرا التي كان يروضها على كتفيه، مطيعة، آتية بالصورة، ولو بعد حين، عندي في قرارتي يقين ما، لا أعرف من أين أتى، أنه لنا سيعود مرة أخرى، بقوة، ليعود كما كان يأتي للعمل باكرا ليذهب متأخران ويحمل مع كل تقرير بسمة، وبعض نكات وشكوى من ضعف الحال، ومراوغة لليومي، بين الرباط وسلا، وبحث عن فلتات من الوقت، للاسترخاء.

سوية غامرنا في الناظور، ضد التيار والوادي، وتوقف قلبنا عن النبض لحظة ما، عندما اعتقدنا أنا الموت لنا مداهم، إلا أن الموت فر هاربا من وجوهننا، لأن لنا من الإرادة كبيرها، لنصرع من ينازعنا علي الحياة، وعدنا في ثانية لنجوب الناظور المنكوب بفيضاناته غير المسبوقة، وكانت التقارير من معانات السكان، ممن عراهم المطر، وسلبهم كل ما يملكون من بيت وزرع، ونسل وإخوة، إلا ندوبا على المحيا ودموعا جفت من كثرة البكاء.

6 أيام بتعبها مرت، ومع كل يوم فيها، حلاوة من تعب البحث عن قصة، عن الناظور، المنكوب بالفيضان، وكان الروماتيزم، ينخر في جسدي، وكنت أمشي كالمعاق جانبا، وببطئ شديد، إلا أني كنت متمسكا بمهمتي الصحافية، بين المنكوبين، ومع كل صباح يسألني عن رجلي، فأقول بخير، وهي على عكس ذلك، إلا أنها ستشفى.

اليوم ياسين بين عالمين يصارع لوحده فقط، لا نملك له طريقا إلا الدعاء البار، بالحياة المديدة، وأن نرى البسمة ثانية على وجهه، وأن يخرج بأقل الخسائر من رحلة، لا نعلم متى تنتهي، والقلب داعيا له بالخير، ولو كان ما هو فيه، يقسم، لحملنا عنه بعضه، إلا أنه لا يأتي إلا من رب كاتب قدر على عباده، وكما يقول المغاربة، من باب التصبير، كل مومن مصاب.

Publicité
Commentaires
Publicité