Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
عادل الزبيري
عادل الزبيري
Archives
8 décembre 2005

المـــعطــــــــــــــــــــول

جلس يواجه مصيره. رفض فرصا كثيرة للعودة. تأكد من خلو الجوار من الحرس. التحق بآخرين. وانطلق أزيز حاد يكسر الصمت. وتعكرت صفحة الماء. وابتعد القارب المطاطي بعيدا. كان الليل ستارا للهروب. السماء تلبدت بالغيوم واختفى القمر. الفصل كان صيفا، والناس في عطلة. كثيرون يعودون للجنوب في موسم عبور لملاقاة الناس والزمن والمكان. حنين يكسر كل الحواجز.

* * * * * * * * * *

دعت له. قبلت رأسه ثلاثا. بكت بحرارة وهي تفارق ابنها الوحيد. كان عازما على اللاعودة. قتلت فيه سنوات الفصل كل ارتباط بالوطن. مزق كل قصائد الولع بالتراب والحبيبة. مرت لحظات التذكر سريعة أمام عينيه وهو يلثم يد أمه بحرارة. دمعه بلل يد أمه التي أكرمته دائما. ومسحت بيدها شعره للمرة الأخيرة.

لطم الباب بقوة. أحس بقلبه يكاد يغادر مكانه. ضرب الجو برجليه ركضا صوب الشاطئ. والوقت ليلا. والناس في عطلة. وتواصلت دموع الفراق.

* * * * * * * * * *

تكلم الجميع لغة الصمت. الرؤوس مطاطأة. والمحرك يصدر أزيزه في رحلة فتح للشمال. بين الفينة والأخرى يكرر الرايس "الله معانا"، ليأتي الجواب من الجميع: "آمـــين". تذكر وصايا الأصدقاء بعدم الاحتفاظ بأي وثيقة هوية. وتحدث الاسبانية. والتظاهر بالانتماء لهذا البلد إلى غاية الوصول إلى العاصمة.

ألقى سترته ومحفظة جلدية إلى البحر. قرر عدم الاحتفاظ بتذكارات البلد القديم. بدت له مصابيحس البلد الجديد. تعالت أصوات خافتة تهمس بقرب الوصول إلى الشمال المثمر. أحس بصدره يتسع وبهواء جديد يملأ رئتيه. قرأ تحت ضوء مصباح يدوي آخر سطر من "سباق المسافات الطويلة" للكاتب الراحل عبد الرحمن منيف. بعد أخذ ورد، رمى بالرواية العربية صوب البحر.

* * * * * * * * * *

وضع الظرف الأصفر اللون لدى سكرتيرة أخر قناة تلفزيونية طرق بابها. وتكرر نفس السيناريو. سألته الموظفة طويلا عن علاقاته. نزل الدرج متثاقلا يجر خيبة أمل أخرى. لعن الأقدار لعدم وجود "وسطة" تضعه في عمل يضمن كرامته من البطالة. خاصمه الزمن كما الرفاق. حتى صاحب المقهى طرده لعدم خبرته بعالم النساء. رمت السلطات طاولة الحلوى التي وضعها قبالة أحد الابتدائيات. طرد من المستشفى وجروحه لم تشفى. رأى السكرتيرة وهي تضع الهاتف وترسل ملفه إلى سلة المهملات.

- ألو السي المدير.
- نعم.
- معطل يبحث عن عمل، يقول إنه كفؤ؟
- ألم يقل من هو؟
- خريج "معهد الإعلام".
- لا شغل لدينا.
- شكرا سعادة المدير.

* * * * * * * * * *

سمعت طرقا على الباب. خفق قلبها. حسبت الطارق زوجها. طالبته بصوتها الذي هده الزمن، طالبته بالانتظار. فتحت الباب. كان رجلا طويل القامة. بنظارة سوداء. خاطبها بلهجة متأنقة: "لــلا... لــلا... واحد المسؤول أجنبي من بلاد برة يريد أن يراكي؟".

صعب عليها الجواب. رفعت حاجبيها متسائلة مستفسرة. طلب الرجل منها أن ترافقه إلى سيارة المسؤول الأجنبي. ردت طلبه بقوة:" من أرادني ليحضر إلي". طأطأ الرجل دون أن ينبس بكلمة على ردها. استأذنها بالانصراف. عائدا إلى مرسله بخفي حنين.

* * * * * * * * * *

سمعت طرقا خفيفا على الباب. لعنت الشيطان والمزعجين لها في هذه الهجيرة. فتحت، وجدت شابا بلحيته الخفيفة، بنظارته الطبية، وببدلته السوداء. حياها بانحناءة، تأملت طويلا في قسمات هذا الوجه، ترجت ذاكرتها أن تسعفها. لم تنتبه إلا وهذا الوفد الغريب يقبل رأسها... ارتمت في حضنه. صرخت وتهاوت مغمى عليها بين أحضان ابنها العائد إلى بلد لم بمنحه إلا وقتا من بطالة.

Publicité
Commentaires
Publicité