مصالحة مع الأمس وإنصاف الجراح
جزأ خاص بالوثائقي، تفاصيل عن العمل الميداني من اتصالات وتسجيل، وتفاصيل تقنية، وإضاءات للعمل من جوانب متعددة
السنة الرابعة ختامية لمشوار الدراسة في المعهد العالي للإعلام والاتصال، وهي تتويج لما تم تحصيله من طرف الطالب/ الصحافي سواء على المستوى النظري أو التطبيقي، وهي من جانب مرحلة انتقالية وتأهيلية نحو التخصص في العمل الإعلامي. وكما هو متعارف عليه، يتوجب على الطالب إعداد بحث للتخرج يكون تتويجا لكده واجتهاده طيلة تواجده طالبا في رحاب المعهد. وغالبا ما يتطرق البحث لمواضيع تهم الحقل الإعلامي والتواصلي بصف عامة تحت إشراف أحد أعضاء أسرة التدريس بالمعهد.
هناك حتما "أسباب" دفعتني إلى التعامل مع هذه الصيغة كبحث للتخرج، ولكن الشيء الوحيد المتأكد منه خلال المرحلة الراهنة هو علاقة حب مع الصورة، فيها انجذاب صوب هذا المكون الحضاري الذي استعملته الحضارة الإنسانية في بدايـات تعاملها مع الخط والكتابة والتعبير على عهد الحضارة المصرية الفرعوينة القديمة، أو الحضارة العراقية القديمة المسمارية...
كما أن وراء هذا القرار بالتعامل مع الصورة السمعية ـ البصرية كدعامة وكحامل لـعمل التخرج/ البحث، شيء من البحث عن ما أرى
أنه مجال للعمل الخاص بي، بمعنى الاحتكاك أكثر بوسيط العمل الإعلامي الجماهيري الذي أبحث عن الاشتغال فيه في مشوار حياتي المهنية. حاليا اشتغلت في الوسط الذي أحبه بالفعل، وهي الصورة والكتابة بها والتعبير بها عن موضوعي.
كان دائما يستوقفني نفس السؤال: طالب في السنة الرابعة هل بامكانه النجاح؟ كبر السؤال مع العمل؟ لكن الإرادة في إبصار هذا العمل يخرج إلى حيز الوجود ظل محفزي الرئيسي للتعامل مع الصورة كأنها نار، لا أقترب منها كثيرا كي لا تحرقني، ولا أبتعد عنها كثيرا كي لا أتجمد بعيدا عنا، في النهاية اخترت النار ووضعت يدي فيها.
تعلمت خلال سنوات الدراسة كثيرا عن الصورة ومعانيها وأبعادها، وبدأت تغازل مخيلتي، خصوصا مسألة الكتابة بها والتعبير بها، فكيف يمكن الكتابة بالصورة؟ وظل البحث عن شرح لهذه الفكرة يطول ويزداد إثارة. ووحدها المطالعة والقراءة عن الصورة أجابتني. وعبر تداريبي أيضا عرفت الصورة المهنية وكيفية صناعتها، حتى صرت ميالا لكل ما فيه صورة تتكلم، ونص يربط فقط، وكانت فرحتي "كالصبي" تكبر عندما أجد لقطات يمكن إدراجها دون نص تعليقي في موضوع سياسي في بؤر العالم الساخنة خصوصا العراق وفلسطين وأفغانستان...
لن تتوقف العلاقة طبعا هنا مع انتهاء الدراسة، بل إنها ستتواصل لاحقا، إلا أنها ستصير أكثر مهنية واحترافية، لكن يبقى الأصل هو ما تلقيناه في المعهد من دروس قربتنا من الصورة، من هذا "المخلوق الغرائبي" إن صح التعبير، وهو الصورة، بكل ما تحمله من مرجعية ودلالات. ومع كل درس جديد في بدايات الفصل والدرس، كانت الصورة هلامية لا نستطيع تحديدها، لم نتخيل يوما أن هذا الكائن الغرائبي يدرس وله قواعد ونظريات، واستمرت القصة تارة فيها المضحك، وتارة فيها الصدمة الأولى، ثم حصل تجاوز لـهذه الصدمة، وهي حقا صدمة الاكتشاف والتعارف، ثم الصداقة، فالحميمية ربما...
مسألة أخرى، هذه السنة هي نهاية ما كنت دائما أسميه بـ "زمن الأخطاء" في التعامل مع الصورة والصوت والنص، أو بصيغة أدق، المرحلة التجريبية والبحث عن نقاط الضعف، وإيجاد سواري الارتكاز للانطلاق في مهنية ميسرة تجني حصاد سنوات الدراسة والتحصيل العلمي الأكاديمي في معهد يكون متخصصين في الصوت والصورة والنص والتواصل.
فدائما كانت تأتيني أفكار أحاول تجربتها، ليس المهم هل هي صحيحة أم لا، وهل هي مقبولة من طرف المشاهد/ المتلقي المغربي،
المهم أو الأهم هو التعلم، الاحتكاك بالصوت والصورة والنص، وتعلم أبجديات المهنة، ومحاولة مقارعة مستوى المهنيين في التداريب والتعلم منهم، إلى جانب البحث عن القالب الصحافي المناسب لي للاشتغال فيه...
إلا أن اختتام السنوات الدراسية في المعهد هي بداية التعلم الذاتي، لأن هذه المهنة وهذا الميدان لا يتوقف عن التطور السريع جدا، يكاد المرأ فيه لا يدرك ماذا سيكون بعد الرقمي الذي أدخل الصورة/ الصحافية مجالا بلا حدود من الإبداع والتخييل.
بحث تخرج في التلفزيون
الوثائقي جنس صحافي تلفزيوني سلس، مجموعة صور، قص، لصق... وجينيريك الختام... إلا أنه في واقعه ممتنع، كصخرة سيزيف: كلما شارفت على وصول القمة، تعود الصخرة إلى السفح، لتعود للبحث عنها، تحاول مرة أخرى مقارعة المرتفع للوصول إلى قمة عصية خصوصا إذا كانت الصخرة/ الموضوع مهمة، وتصور الإخراج جيد ومتماسك، ما يضمن مادة إعلامية جيدة، و"تغليفا" فنيا تلفزيونيا لائقا، خصوصا مع ما نشهده من ثورة قدمتها لنا التقنية الرقمية/ الديجيتال، إلا أن صخرة سيزيف تعلمنا في كل مرة درس صبر نضيفه على ما سبق لنواصل عسى نصل القمة يوما... من يدري... قد أتوفق في العمل، وقد تكون الحصيلة صور ملصقة بعضها البعض
ومدة الـــعمل التي أنجزت أعتقد أنها استوفت الموضوع من جوانب معينة، ومنحت المشاهد/ المتلقي تذكرة سفر إلى سنوات الرصاص، ليس المهم هنا، حسب ما أظن، الطول أو القصر، بل مدى تراتبية الأفكار
ووضوح الرؤية، وما هي الفكرة التي تم تبنيها في خياطة العمل. وهل هي مناسبة لطالب في السلك العادي، لا من زاوية تعلم تدبير الزمن التلفزيوني، على اعتبار أن الوقت يعد بأجزاء المائة، "Frames"، بـالثواني وليس بالدقائق، مما يتطلب إدراكا لمفهوم الزمن التلفزيوني، والقدرة على التعبير "بالكتابة بالصورة" داخله واستيعاب انسياب الصورة وتعاقبها. ولا من ناحية الاقتصار على ما كان ضروريا من تعليق يكتسي أولا نبرة إيقاعية في القراءة تتماشى وطبيعة الموضوع. وثالثا، الربط الموضوعي بين عناصر الموضوع والوصف الذاتي الموضوعي.
فلا يمكن للإعلامي أن يكون محايدا، لأن مسألة الحياد لا أساس لها من الصحة، حيث هناك من ذهب إلى القول بأن الإعلامي هو ذاتي موضوعي، بمعنى أن ذاتيته وتعاطفه وميوله للموضوع هي التي تمنح المتلقي الإحساس العارم، ونفس المتابعة، وتخلق تخاطبا من الروح إلى الروح. إذن بالتعبير الصحيح، ربما، الذاتية الموضوعية، وهو ما قد يشكل عامل جذب للمشاهد عبر ميلودراما تلفزيونية في قالب صورة من منطلق سيناريو معد مسبقا. أي أن تكون ذاتية الصحافي حاضرة إلى جانب سعيه التوازن في المعالجة وإسماع الصوت والصوت الآخر، فإذا كان هؤلاء المعتقلون قد أمضوا سنوات وراء الشمس، لا يمكن حاليا تحت مسمى الموضوعية فسح المجال للجلاد كي يقول إنه برئ، كما
أقصى، الآن يمكن إقصائه، ورميه إلى مزبلة التاريخ. وهذا الموضوع عليه إجماع وطني.
وبعد تتبع لما تشهده الساحة الإعلامية من مواضيع هامة، اخترت ملف حقوق الإنسان، والتسوية التي وافق عليها مؤخرا الملك محمد السادس والمتعلقة بإنشاء "هيأة الإنصاف والمصالحة"، وهي خطوة اعتبرها المراقبون خطوة جد هامة على طريق الطي النهائي لملف وسم التاريخ المغربي الحديث بالدم والحديد والنار، ملف الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان خلال مرحلة ما يسمى بسنوات الرصاص والجمر. وهو ما يعد أساسيا، خصوص وأن المغرب يمر بمرحلة مهمة في انتقاله الديمقراطي، مما يجعل بلادنا "نموذجا رائدا" في العالم العربي والإسلامي، و"صاحبة مشروع" ديمقراطي".
المدة الزمنيـــة
المدة الزمنية في هذا الوثائقي/ بحث التخرج هي 52 دقيقة، وهي مدة زمنية مناسبة لطالب في السلك العادي، وللإمكانيات المتوفرة لإنجاز عمل من هذا القبيل، على ما أظن داخل المعهد العالي للإعلام الاتصال. فمن خلال مشاهداتي ومتابعاتي المتعددة للوثائقيات العربية، والفرنسية خصوصا ما تبثه قناة arte، وقنواة TF1، France2، France3، سواء منذ سنواتي الدراسية في المرحلة الإعدادية كمحب لهذا النوع من البرامج، كمشاهد عادي مدمن على التلفزيون. أو لاحقا، فيما بعد في سنوات المعهد كمشاهد محترف من الناحية النظرية، ومزود بعتاد تنظيري ومرجعية مطالعة عن الصورة تمنح فرصة التحليل والقراءة المهنية للصورة.
كما لاحظت أن أحسن البرامج الوثائقية هي التي كانت في مدتها لا تتجاوز 52 دقيقة. وهنا أقف عند مفهوم التكثيف وإعطاء الأهم في معالجة الموضوع، وترك مجال للمشاهد ليشارك في تحليل الصور والمضامين المقدمة إليه عبر تحفيزه للتعمق في الموضوع ذهنيا خلال
متابعته، واعتماد حبكة في تتابع اللقطات والمعلومات المقدمة صوريا. وهنا أجد أن هذه النقطة يتشابه فيها الوثائقي مع الرواية والقصة في البناء الزمني لخلق تمرين ذهني يشغل عبره المتلقي/ المشاهد ذهنه في الاستيعاب عوض الاستهلاك المباشر كما هو الحال في المسلسلات والأفلام...
بمعنى التعامل مع الوقت بإدراك ووعي، وليس من منطلق أن 41 دقيقة يجب ملأها صورا وتعليقا، بمعنى الصور فقط، لا، بل اعتماد الموضوع وأهميته كمعيار لتحديد زمن العمل، وهل استوفت الفكرة حقها في العرض، وضيوف الموضوع هل تكلموا كل من زاوية نظره، وقراءته للحدث.
لتبقى فكرة العمل/ الوثائقي قائمة على النسبية في تدبير الزمن، فقط طبيعة الموضوع/ التيمة، لها خصوصية وحق زمني، فإذا كان الملف أمضى عقودا في رفوف النسيان والتعتيم، فقد حان وقت الكشف عنه إعلاميا، وخصوصا عبر الصورة، والمعهد العالي للإعلام والاتصال ربما حقق سبقا غير مسبوق بهذا العمل، وبهذه التوليفة من الوجوه التي تم جمعها على شريط صوري واحد...
فليس هو تواجد خارج الزمن، ولا داخله، هو التواجد داخل المكان بالصورة، وقراءة متوازنة إلى حد ما في تقسيم الحصة الزمنية على الضيوف والأفكار واللقطات في موضوع حي بالمعاناة والآلام، ولأن الزمن يظل من ممكنات التدبير، أما المكان فله سلطته التي يفرضها علينا، والمكان في العمل/ الوثائقي كان المعتقل، فعن أي زمن إذن يمكن التحدث؟ زمن المصالحة أم الاعتقال أم التعذيب؟
هذه المعادلة كان وقعها قويا ودائما خلال العمل تجاذبتني لحظات خضعت لسلطتها، طاردت أخرى لأنها متوازنة، أي نعم، لكنها تدفع الموضوع نحو الأكاديمية والجمود، لنتجه ربما إلى عمل بلا روح في الختام...
لأن حقيقة مهمة رافقتني وهي أن قوة الموضوع في شهادة شهود عيان عليه ممن عاشوا التجربة وقالوا عنها، ولهم الشرعية والحق في الكلام عنها والتعليق عليها وتقييمها من منطلق البعد الزمني عقب مرور زمن يسير لا بأس به على مغادرتهم أماكن العتمة والتعذيب لتعود أشعة الشمس لتلفح أجسادهـم مجددا في زمن ما بعد الرصاص والجمر...
العنـــــوان
في الوثائقي للعنوان مكانة مهمة يستمدها من كونه جنسا إخباريا تلفزيونيا يعتمد الإخبار والتشويق، وضرورة تحقيق المتعة والفرجة والحبكة التلفزيونية. والعنوان يسهل التعرف أولا على الموضوع، ومدى الإتقان في وضعه من زاوية التكثيف يدل على اجتهاد الصحافي في تقديم المادة التلفزيونية إلى المتلقي/ المشاهد، وفي هذا كسب لاحترام المشاهد.
ويجب أن يكون العنوان قصيرا ودالا ومكثفا، وجامعا يحقق الانطلاقة لشد الانتباه، كما هو الحال في القصة والرواية، عبر اللعب في اللغة والقدرة على التكثيف والتحوير واختزال مضامين عديدة في جملة... وكلمات، فقاعدة تقول: الخبر جملة...
فانطلاقا من الموضوع الذي اخترت الاشتغال عليه، ملف طي صفحة الماضي حقوقيا، اقترحت عناوين، وهي عناوين مبدئية فقط، من الممكن أن يكون أحدها هو العنوان النهائي أو أجد آخر "أبلغ وأحسن" من هذه اللائحة:
المصالحة مع الماضي.
سنة الإنصاف والمصالحة.
إنصاف... ومصالحة.
ودفنا الماضي.
لدفن جراح من أمس.
مسلسل تسوية مع الأمس.
على طريق المصالحة.
بين الحقيقة والمصالحة.
سباق المسافات الطويلة.
مصالحة مع جراح الصدر العاري.
وما تم اعتماد أي من هذه العناوين، ليكون الاختيار على العنوان:
"مصالحة الأمس.. وإنصاف الجراح"
لأن المصالحة يجب أن تتم مع ماضينا الذي لطخ بدماء من أبناء هذا الوطن في ذلك الأمس، وفي المصالحة، ومن أجل المصالحة علينا
إنصاف هذه الجراح، أي إنصاف هؤلاء المعتقلين والمختطفين السياسيين السابقين، لأن الحقيقة حتى إذا لم تكن ساعتها قد حانت أو سوف تتأخر قليلا، لنفتح المجال أمام بالمصالحة أولا مع الذات ومع رفاق الأمس بتضميد ولو جزأ يسير من جراحهم التي صارت وديان ألم ومعانات ومرارة وهي عارية تواجه صوط الجلاد وقساوة السجان/ الحاج، وعزلة المكان.
والمصالحة مع الماضي والذي جرى مفتاح للمستقبل، إذ مفتاح مستقبلنا في ماضينا، بمعنى الرجوع لفك سلاسل تقيد من مما مضى للانطلاق والسفر نحو الغد الآتي، وأول ملف قد يحقق فعلا الانتقال الديمقراطي وتحقيق مغرب ووطن ديمقراطي هو هذا الملف، وهو ما يمكن استغرافه من تجارب ديمقراطيات عريقة عبر العالم، فكل من أراد الديمقراطية، عليه الطي مع ما جرى، طي الصفحة، ليصير ما جرى تاريخا وعبرة، وليس ذكرى مريرة أليمة.
المدخـــــل
هي بداية الوثائقي، وهي ليست بالمقدمة، لنقل أنها نقطة الانطلاق صوب صلب الموضوع، وهي كذلك تمهيدية وتقبيلية. وتتطلب تركيزا كبيرا، واجتهادا لأنها تجذب المشاهد، وتقنعه بوجود موضوع جيد، وباستحقاقه المشاهدة. وهي تأتي في المرتبة الثانية في الأهمية بعد العنوان، وقد تسبقه في تراتبية الظهور حسب التصور الموضوع للملف المعالج في الوثائقي، وأسلوب الإخراج المتبع.
فالمدخل يجب أيضا أن يعتمد مبدأ شد الانتباه، أو صدم المشاهد، وإقناعه بأن المادة التي هو أمامها تستحق عدم تغيير المحطة/ القناة والمتابعة إلى النهاية. وفي هذا الموضوع المعالج، سيكون المدخل شهادات لعدد من المعتقلين السريين السابقين الذين قضوا سنوات من عمرهم مجهولي المصير قبل أن يعاودا الحياة من جديد. لقطات تبرز ملامح الوجه، وعلامات من زمن الاعتقال.
فعبر لقطات لشهادات من زمن الرصاص، بمعنى آخر عبارة عن جمل استشهادية على مرحلة من تاريخ المغرب المعاصر، وهذه الشهادات يفصلها سواد، للانتقال بينها وإبراز أن نصف الحقيقة هو تلك الشهادات عبر إظهار الوجوه، أما النصف الثاني من الحقيقة فلا يزال غائبا حاليا في انتظار أن تبدأ الهيأة الجديدة عملها، وهنا حكم محايد وموضوعي، ولا يستبق الأحداث، وهو في هذه الحالة ممثلا باللون الأسود الذي يظهر ويختفي على اعتبار عدم اكتمال صورة الحقيقة كاملة إلى حد الساعة، وكون الملف لازال في قاعة الانتظار.
ثم يأتي أول بلاط للتقديم، ليأطر الموضوع، ويظهر الصحافي صاحب العمل، ليتبعه صمت وسواد دام 30 ثانية للرمزية والتدليل على أن الملف عشش طويلا، وكلما عانى المشاهد في انقضاء الثلاثين ثانية، ربما قدمنا له لحظة واحدة فقط، أو أقل بكثير مما عاشه رجال المعتقلات في سنوات الجمر. ثم يظهر العنوان المكتوب بخط اليد على جدارية سوداء فيها حداد وفطرية الحفر على الجدار، ولو أن الاستعارة كانت بسيطة في كتابة غير منسقة على سواد، فالكتابة التي لونها أبيض هي تلك المعرفة وذلك النور الذي رافق وصبر المعتقلين في السجون الظلامية الكافرة بكل القيم الإنسانية والمعرفية والحضارية.
المخـــــرج
يقال: لكل بيت مدخل ومخرج، ولكل وثائقي كذلك مدخل ومخرج، وحسن التخلص في الخروج من الموضوع وختمه يكسبانه نكهة خاصة عله مستساغا وتترك المشاهد تواقا للمزيد، إلا أن الوقت المخصص للعمل هو الحاسم في الختم، هو ليس بالمقدمة لأن الموضوع سيظل مفتوحا للنقاش وللمعالجة الإعلامية، ولأن مصطلح المقدمة مرفوض بتاتا في العمل الصحافي.
وبما أنني اخترت طريقة الدائرة، أي الختام من نقطة الانطلاق، سأعود لأنقل شهادات معتقلين سياسيين سابقين ورأيهم في الهيأة المحدثة، وما هي توقعاتهم بخصوص مستقبل حقوق الإنسان في المغرب، وكيفية طي صفحة الماضي. ليكون المخرج منفتحا على الغد، ولكي لا تكون نقطة نهاية الموضوع إغلاقا للملف، بل العكس، فتح آفاق جديدة ومتجددة لمعالجة الموضوع. فالمستقبل يظل مجهولا، ولا نملك عنه حقيقة ولا خبرا، بل ما لدينا هو فقط الحق في المساهمة في بناءه وتأمين شروط انبثاقه، وأحسن شيء لضمان المستقبل الصدق، وهذا الصدق هو ما جرى، وهي تلك الجراح التي ما اندملت بعد، ولا زالت صدور أصحابها عارية.
وآخر صورة تطالعنا في العمل، لقطة ثابتة لمعتقل سياسيين هي دلالة على أن وطنه لم يقدم ل أي شيء لصالحه، بل هو كسر كل الحواجز لفرض الذات، القول: أنا هنا حي. وكذلك اعتماد هذه التقنية هي لدفع المشاهد إلى تذكر لثوان لهؤلاء، قبل أن يصعد جينيريك الختام، معلنا نهاية العمل/ الوثائقي.
فمن بين الأمور التي حاولت إثارتها وختمت بها: فكرة لا للنسيان، لا لتجاوز هؤلاء في صمت، بل علينا أن نتوقف ونرمم الكسور قبل انطلاق قطار الحياة إلى محطته الموالية، والفقرات القصيرة الفاصلة بين شهادات النهاية هي للتدليل على التمعن فيما جرى، وتقديم شهادة بالصوت والصورة.
المعاينة القبلية لمكان التصوير
قبل عملية التصوير، يستحسن القيام بجولة تفقدية لمكان التصوير قصد التعرف على مكونات الفضاء، واكتشاف كل ما يمكن تصويره، فمثلا قبل أخذ تصريح من عبد الناصر بنوهاشم، مختطف سياسي سابق، أزور مكتبه لدردشة قبلية، والتعرف عن قرب على شخصيته ومقاربته للموضوع، ومقاربته للملف، وألتقط اللقطات ذهنيا وأبدا في رسم ذهني للكيفية التي سيتم بها العمل لاحقا.
هذه العملية فيها اقتصاد في الوقت والتكاليف، وفرصة زمنية تفصل ما بين المعاينة والتطبيق للتوصل إلى اللقطة الأحسن، وزوايا التصوير المناسبة للعمل وللموضوع. فلكل موضوع مقاربته الخاصة به في التصوير.
كما تسمح هذه العملية التعرف كذلك على مكونات القاعة أو الفضاء المفتوح أو المغلق، كمأخذ الكهرباء لعمل الإنارة وشاحن
البطاريات عند الضرورة. والمكان الأمثل لإجراء المقابلة، وإمكانيات تصوير المستجوب وهو يعمل، Mise en scène"".
وفي كل مرة، وتقريبا مع كل الضيوف منحتنا هذه العملية سهولة في التصوير وفي التقاط واصطياد اللقطات الجيدة للعمل. حتى، إذا كان الكلام مع المصور تكون المرجعية حاضرة بالفهم، والإدراك للصورة ومكوناتها، ويكون ضبط مكان التصوير حتى لحظات قبل التصوير أمر جيد وإيجابي، ولصالح طاقم العمل
التصـــوير
التصوير هو من أهم المحطات التي يمر منها إنجاز الوثائقي، فالصورة قد تصل تمثيليتها في العمل حوالي 75 في المائة، لأنها أولا ليست بالمحايدة، بل تحمل دلالات محددة، ومفاهيم قد يعجز التعليق النصي عن حملها وإيصالها إلى المتلقي/ المشاهد، وهذا يحتم أن تكون الصورة متقنة ودالة بعيدا عن منطق الحشو والملأ، وكذلك التكثيف فلكل صورة دلالات يترك المجال للمشاهد ليقوم بقراءة لها.
قد يبدو هذا الكلام نظريا، إلا أن التنظير هو تفكير، هو محاولة لرسم هندسي للعمل، هي الخطوة التي تمثل نصف العمل، ونصف نجاحه. وتتطلب عملية التصوير ضبط آليات العمل من كاميرا وغيرها، والتأكد من أن الآليات جيدة قبل مغادرة المعهد والتوجه إلى مكان العمل/ التصوير.
كما ينبغي التفكير في نوع اللقطات التي ستأخذ لأنها تسهل حتى المونطاج لاحقا. وبما أن الوثائقي عمل يتطلب الاجتهاد والإتقان، يجب
الحرص على عدم ارتكاب أي من الأخطاء القاتلة في التصوير من قبيل عدم شحن البطاريات مسبقا، نسيان غطاء الكاميرا موضوعا مع التصوير، قد تبدو هذه الأمور بسيطة، إلا أن بساطتها هي سر نجاح العمل لاحقا.
واللقطات التي عملنا بها كانت منوعة، مع العمل بالمونيتور في التصوير، وإعادة التصوير إذا دعت الضرورة للحصول على اللقطة المناسبة، والمحترمة للمعايير الجمالية الضرورية. فاللقطات المكبرة للمقاطع المهمة في التصريحات، Le travelling كانت من اليمين إلى اليسار على اعتبار عامل الثقافة عكس الغربيين وما جرت عليه العادة من اليسار إلى اليمين.
وفي التصريحات، تم تأطير الضيف داخل إطار الكاميرا حسب توجهه، إذا كان يساريا يوضع على يسار اللقطة، والعكس صحيح. بمعنى تطبيق قاعدة "الكتابة بالصورة". مع التنويع طبعا في اللقطات الملتقطة في كل مكان تصوير للتنويع الصوري والإثراء المساعد لاحقا في المونطاج، وأخذ "لقطات القطع" لأهميتها في راحة العين، وتنويع اللقطات وتحقيق توازن صوري بصري، فكلما كانت مدة التصوير كبيرة، كانت فرص المونطاج والتركيب الجيد كبيرة.
المونيتور في التصوير
بماأن الصورة تعد أساسية داخل الوثائقي، فإن عملية التصوير، وتجميع الوثائق البصرية/ الصورية تتطلب تواجد جهاز تلفاز صغير الحجم، هو عبارة عن مونيتور يكون مساعدا على تحديد تأطير اللقطات، والتوصل إلى أجود الصور التلفزيونية، ومن ثم يبرز الدور الكبير لهذه الشاشة التي غالبا ما تكون صغيرة الحجم إلا أن لها تأثيرا وتساهم في تحقيق عنصر الجودة.
ويكون المونيتور مرتبطا بالكاميرا ليساعد الصحافي والمصور على العمل في ظروف مريحة وآمنة تساعد على الاجتهاد وتبعد طاقم العمل عن الشك في جودة اللقطة وحجمها ونوعها، فهي إذن رغم صغرها صمام أمان لطاقم العمل.
ميدانيا، نفعنا المونيتور كثيرا، حيث يمكن القول أن جودة اللقطات وجماليته هي بسببه بصورة مباشرة، لا أقل ولا أكثر، فخلال التصوير
كان الضيف يتحول إلى تجربة البحث عن اللقطة المناسبة له لتحقيق توازن في اللقطة، وكذلك كمية الإضاءة اللازم إدخالها لتتماشى مع طبيعة الموضوع، لكل موضوع لقطته، ولكل ملف زاوية تصوير.
المصور بدوره أعانه المونيتور على تشغيل الكاميرا والتحرك بها خلال تكلم الضيف، وحديثه لنا، وتطبيق لقطات مصغرة أو مكبرة أو مكبرة جدا للضيف بحذر شديد ودقة حتى لا نلجأ لإعادة السؤال والتصوير، وكم في ذلك من حرج.
وفي أثناء تصوير لقطات الصور الأرشيفية والوثائق التي استعلمت في العمل، كان دور المونيتور أساسيا، خصوصا أنه لعب دور مكبر للصورة سمح لنا باكتشاف زوايا غنى صور ثابتة، دعمت بلونيها الأبيض والأسود غنى صورة الوثائقي.
الإضاءة في التصوير
يتوفرالمعهد العالي للإعلام والاتصال على كاميرا احترافية، ما يعني أن الإضاءة التي تلتقطها الكاميرا يجب أن تكون دائما مراقبة على اعتبار أنها لا تتوفر على تقنية المعالجة الآلية لكمية الإضاءة التي تدخل إليها، بمعنى أن وجود الإضاءة في كل أوقات وأماكن التصوير ضروريا لتوفير ظروف إنجاح العمل.
معطى آخر مهم جدا، العمل المزمع إنجازه هو وثائقي وليس مجرد ربورتاج إخباري مما يستدعي جودة معينة في الصور الملتقطة بالكاميرا، بكمية إضاءة محددة مسبقا تتماشى والموضوع المعالج. وهنا تطرح مسألة الإبداع والتعامل المهني مع الإضاءة، هذه مهمة تقني متخصص، إلا أن المعهد يفرض نظام الإعتماد على الذات، وأداء جميع الأدوار دفعة واحدة. وستمنح الإضاءة الاصطناعية التحكم في كمية الإنارة التي تدخل مع اللقطة للكاميرا.
ونظرا لطبيعة الموضوع المعالج، "ملف حقوق الإنسان وكيفية طي صفحة الماضي من قبل الدولة المغربية"، فإنني أرى أنه من الممكن في إطار مفهوم الكتابة بالصورة التعامل الإيجابي مع معطى الإضاءة بالتصوير في أماكن مغلقة وتقليل الإضاءة المتواجدة في القاعة مكان التصوير في حالة أخذ الشهادات لتكون الخلفية شبه سوداء إلى سوداء أو تبدو مكونات الفضاء بظلال، فالماضي يرخي بظلاله على ملف شائك قررت الدولة المغربية طيه. فيبدو الضيف مضاء بشكل خافت، ومؤطرا داخل اللقطة. وبهذا نحق عنصر "جمالية الصورة" الملتقطة.
كما أن ضيوفنا عاشوا زمن العتمة والظلام، وزاوجوا بين النهار والليل، خصوصا لما كان مشهد الظلام يكتمل بتواجدهم في زنازن بعصابات سوداء على أعينهم، وهذه رمزية أخرى نشتغل عليها.
التفــــريغ
عقبالانتهاء نهائيا من التصوير، وكلما سنحت الظروف قبل إتمام التصوير، كنت أقوم بعملية التفريغ، تفريغ محتوى الأشرطة من صور وشهادات وحتى مؤثرات خاصة وطبيعية وموسيقية إذا توفرت، لإدخالها في المعطيات المتوفر عليها قبل صياغة مخطط المونتاج القبلي أو النهائي والذي يمكن أن نصطلح عليه الهيكل، Squelette.
تعتمد هذه العملية على جدول دقيق يوثق كل مكونات اللقطة وطولها، مع أي ملاحظة خاصة تساعد على إنجاح العمل لاحقا. ويجب أن يتوفر كل شريط "كاسيط فيديو" على "شريط لاسق" أو "وثيقة تدليلية" تعلم بتاريخ أخذ الصور، ومكانها، والظروف العامة، والملاحظات الخاصة، ويتم القيام بذلك وقت التصوير كدليل يساعد لاحقا ووفق منهجية تساعد على التقدم بثبات.
صحيح أن التفريغ قد يأخذ بعض الوقت في البداية إلا أنه يساعد على ربح مسافة مهمة على طريق إنهاء العمل/ الوثائقي. وهو قد يسمح بالتعرف على أخطاء تم ارتكابها أو لقطات لم تكن جيدة، أو صوت مستجوب لم يكن واضحا لتداركه قبل ختام العملية المتعلقة بالتصوير وذلك قبل ولوج قاعة المونطاج.
والتفريغ هو، 1/4، ربع المونطاج، لأن الضبط المسبق للصور يفتح المجال أمام اختزال لزمن تحديد المقاطع التي سيتم أخذها وتركيبها داخل العمل لما فيه صالح تسلسل الصور والأفكار. والتفريغ القبلي للعمل ضمانة ضد كل الصور غير الصالحة، واللقطات المضروبة.
مخطط المونطاج
نهاية عملية تفريغ محتوى الأشرطة المصورة، تعقبها عملية الصياغة النهائية لمخطط المونطاج أي الطريقة والأسلوب الذي سيتم اعتماده في المونطاج من حيث تراتبية اللقطات وطولها، والشهادات التي سيتم استخدامها وترتيبها ومقاطعها داخل الأشرطة. ووفق جدول موضوع في مرحلة التفريغ يكون المونطاج سهلا أو لنقل ميسرا إلى حد ما لوجود خيط رابط تم نسجه سابقا، لكن لابد من تعديلات ـ لاحقا ـ تسهم في الإنجاز المتكامل للوثائقي بناءا على مخطط المونطاج المنجز.
ويمكن القول إن هذا المخطط هو خيط الربط الرفيع والهام بين عمليتين، هما التصوير والمونطاج عبر التفريغ القبلي للأشرطة، وهي تساعد على التعرف أكثر على الصور المتوفر عليها من أجل عملية تركيب، مونطاج، حسنة لاحقا.
المونطــــاج
المونطاج ليس فقط ترتيب للصور وإلصاق لها، بل يتعدى هذا إلى مفاهيم ترتبط بالصورة ودلالاتها وقراءاتها المتعددة باختلاف السياقات التي تتناول فيه. فالمونطاج هو تعليق وكتابة بالصورة، وإبداع وإعادة إحياء للقطات التي تم أخذها خلال مرحلة التصوير السابقة.
صحيح أن المونطاج وحدة أساسية في العمل/ الوثائقي، إلا أن مدى الاجتهاد في وضع تصوره وخطواته تحدد نجاحه من عدمه، فتتابع اللقطات والصور في الحجم والمدة هو الذي يعكس العمل والاجتهاد المبذول. يقول البعض بأن التلفزيون يستر عيوب العديد من الصحافيين لأن الصورة تغطي، إلا أنه في نظري هذه مغالطة لأن العمل يبرز بوضوح الجهد المبذول في العمل، من خلال الحنكة في إلصاق الصور وقطعها، وترتيبها، ومزاوجة ذلك بالمؤثرات الخاصة والإلباس الفني للشريط.
وفي عملي/ بحث/ التخرج/ الوثائقي كان الاشتغال مع طاقم محدود في العدد، وسيكون من السهل معرفة جهدي من عدمه، كما أن هذا التقرير المرافق للعمل عنصر تـأكيد إضافي. وإنطلاقا من إدراكي لأهمية هذه العملية، ولطبيعة العمل، إيقاع اللقطات عموما متوسط البطيء لوجود عنصر التحليل، والجدية، والتعليق، والأهمية، والرأي والرأي الآخر، فنحن لسنا أمام موضوع خفيف سهل الهضم، بل أمام موضوع له حساسيته وأهميته القصوى، فهو مصيري ويدخل في إحدى الرهانات الكبرى للدولة المغربية حاليا. وطبعا مع احترام للقواعد المتبعة في عملية التركيب/ المونطاج. والشهادات في المونطاج كانت طويلة وهذه قوتها وجديتها، فبقدر أهمية الموضوع، فرضت علينا مسألة طول اللقطات وطول الشهادات.
اللبوس الفني
يهتمالإلباس الفني ببعث روح أخرى ومن أبعاد متجددة في الموضوع عبر الحاسوب والمؤثرات البصرية على وجه الخصوص. والإلباس الفني يهم الصورة أساسا، من جينيريك بداية ونهاية، وخط وحجم خط ولون أشرطة المستجوبين، وكل المعلومات الإضافية التي يمكن إضافتها كتحديد تاريخ التقاط الصور، أو تثبيت هوية الصورة من مالكها أو الجهة الملتقطة لها. أو كتابة تعليق مقروء بصري يحمل معلومة مكملة ومهمة.
وبما أن التلفزيون يتطلب عنصر التشويق، وتحقيق متعة المشاهدة، يجب إيلاء هذا الجانب نظرا للتراكم الكبير لدى المشاهد من متابعته لكل القنوات التي يسمح المستقبل الرقمي بها. وفي موضوعي سأعتمد مبدئيا على اللونين الأسود والأبيض. الأسود والأبيض متناقضين في الدلالة والإيحاءات، إلا أنها في نفس الوقت متلازمين ومتكاملين. كما أن اجتماعهما يعطي جمالية للصورة.
في هذا العمل/ الوثائقي ما كان إلا الأبيض والأسود ليكون لبوسا، برمزيتهما القوية لا على الصورة، في السينما غالبا ما يكون الجينيريك أسودا، وبحجم أهمية صورة السينما، وضخامتها، هناك تشابه من حيث كبر حجم الموضوع وأهميته. كذلك أشرطة الأسماء للضيوف تحولت إلى صورة سوداء من ثوان ثلاث فوقها مكتوب بالأبيض اسم الضيف المتكلم.
فسواد اللبوس الفني بين المقصد والمنطلق، هو من سواد تلك المرحلة، وإنطلاق جديد صوب الماضي بسواده بنور أبيض من الحاضر لمسح كل أركان العتمة الساكنة إلى حد الآن بين جنباتنا.
شريط الأسماء
أول وظيفة وهي من اسمه، تعريف المشاهد على اسم المستجوب وعلى وظيفته أو موضعه من الموضوع المعالج. وأقترح أن يكون بلون أسود، وتكون الكتابة بخط بسيط وسهل الملاحظة والقراءة وبلون أبيض على خلفية سوداء. أما البنط فسيكون متوسطا نظرا لوجود ثقافة محدودة، ومحدودية المستوى التعليمي، ووجود أنصاف وأشباه الأميين. وكل هذا من منطلق أن التلفزيون يهدف خلق ثقافة جماهيرية، والتي ليست نخبوية ولا شعبوية.
وشريط العناوين هذا لن يصعد من أسفل الشاشة ولا من فوقها، بل هو صورة كاملة، ولقطة تظهر لتغطي الشاشة كأنها لقطة مدمجة، يظهر اسم الضيف وصفته مكتوبة فوقها بلون أبيض.
المؤثرات الموسيقية
مدة طويلة هي 41 دقيقة بمقياس الزمن التلفزيوني، ولشد انتباه المشاهد كل هذه الدقائق التي تقارب الساعة، أي حوالي 41 دقيقة، يجب تحقيق المتعة والإثارة، وهذا ما تساعد على خلقه الموسيقى التصويرية ترسل تعليقا من نوع آخر وكتابة لتعليق يمر موسيقيا هذه المرة.
وأجد أن موسيقى العمل/ الوثائقي التي تم اعتمادها رافقت بالمعالجة الفنية الغنائية موضوع الاختطاف والاعتقال السري، موسيقى فيها حزن وذبح وجرح ينزف، وألم، وفيها تفاعل قوي، وصورة ذهنية هذه المرة للصراع الذي شهده مغرب سنوات الجمر والرصاص. مع موسيقى/ جينغل خاص يتماشى وطبيعة الموضوع/ الوثائقي، طبيعة زاوية المعالجة، في المقاطع التي سيكون فيها المجال مفتوحا للصورة لتتكلم وتعبر.
وقد يترافق التعليق والموسيقى في مقاطع معينة تبعا للرؤية الإخراجية للموضوع، واللقطات التي تم توضيبها، وتسلسل الأفكار في الوثائقي. إلا أن الموسيقى تبقى عنصر جذب مهم، خصوصا عندا تعلق
الكلمة واللحن على حالة وصورة. فالجينغل عادة لإعلان البداية والنهاية، والموسيقى، أكرر، لشد الانتباه وإبقاء التركيز لدى المشاهد خصوصا وأن جمهور الوثائقيات لم يعد بالقليل.
التعلــــيق
يسمح التعليق بتقديم معلومات تتم قراءتها على شكل نص يخضع لضوابط الكتابة السمعية ـ البصرية، من جمل قصيرة وأفكار واضحة ومصطلحات متداولة بامكان الجميع فهمها... والتعليق تتم كتابته تبعا لطبيعة الموضوع وخصوصياته ليكون موافقا للأسلوب الذي ستتم القراءة به عند الميكساج.
والتعليق ليس فقط بالصوت بل هو كذلك بالصورة، بالصمت، فالصمت هو كلام وتعبير، بالموسيقى، وبالغناء كذلك، بمعنى الخروج من القوالب الكلاسيكية للعمل التلفزيوني صوب أبعاد جديدة تتماشى والأساليب المنتهجة في إخراج الأعمال التلفزيونية وخصوصا الوثائقيات.
فالثلاثون ثانية سواد هي تعليق بالصورة وفيها من الدلالات قوة أقوى من أي تعليق ربما.
تماشيا مع طبيعة الموضوع، والرؤية المقدمة في الإخراج، صوت قراءة التعليق مكملا لما سبق أن تحدثت عنه. فالإيقاع بطيئ لجدية الموضوع وحساسيته، وفي هذا نوع من إعطاء الأهمية وهبة يضفيها صوت التعليق ونبرته وإيقاعه.
تعليق آخر، هو ما كان في بلاطوات التقديم التي قدمت لنا فضاء تصوير معين، فيه خلفية جدرانية مكانية تحيل على المعتقل بأسواره العتيقة، وهو مناسبة للمزاوجة كذلك بالنسبة للإعلامي بين تقنياته في ضبط بصره وتعامله مع الكاميرا، والارتجال