Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
عادل الزبيري
عادل الزبيري
Archives
17 février 2006

الريـــــــف المغربي

ما بقي من
إلـــدورادو الجنوب
المجـهول

توالت السنوات سريعة، وتوالى معها رحيل "قدم" السعد عن منطقة، كان من المفروض أن تكون من النقاط السياحية الاستراتيجية في شمال المغرب، بل في البلد بأكمله

يحكي سكان المنطقة، وبالضبط قبل 20 سنة أو يزيد بقليل، ومع بشائر الربيع الأولى، تبدأ أفواج السياح الأوربيين في النزول ضيوفا على المنطقة. وليستمر المقام حتى بداية فقدان الأشجار أوراقها، وهبوب رياح الخريف الباردة. جنسيات الزوار تمتد إلى جل بلدان أوربا الغربية بدءا من الجارة الشمالية إسبانيا، وإلى ألمانيا

ومن المناطق السياحية التي اعتاد هؤلاء الأوربيين زيارتها منطقة "بني بوفراح"، التي تبعد عن مدينة الحسيمة بحوالي 60 كيلومترا، رغم الطريق الوعرة القريبة من مدارات راليات السيارات. وبجبالها الشاهدة على شموخ أهل الريف بعزتهم. وبشاطئيها الساحرين، "طوريس" بأمواجه المتماسكة، و"كالايرس" برماله الذهبية

الصراط اللا مستقيــــم
شاءت الأقدار أن يكون الاهمال قدرا وأسلوب تعامل مع المنطقة لعقود، وعدا الطريق الوطنية التي تقادمت تهالكت، لا سبيل للوصول إلى هناك، وما عدا الترميمات الجانبية كل صيف، وطبقات مادة "الزفت" التي سرعان ما تجرفها أمطار الشتاء الأولى، تظل طريق الريف على حالها

تشير التقديرات إلى أن عرض هذه الطريق لا يكاد يتجاوز 1.5 مترا في أحسن المقاطع الطرقية حالا. فإلى جانب المنعرجات غير المنتهية ذات اليمين واليسار. فضيق الطريق يفرض على السائقين الخروج بنصف السيارة للسماح للقادم في الاتجاه الآخر بالمرور، اقتسام شبه طريق، واقتسام معاناة، لتكون السيارة ضحية أولى، والركاب ضحية ثانية للاهتزازات ووعورة الطريق

عبد الرحمان، مهاجر مغربي بهولندا، اشتعل شعره شيبا، يصف الطريق "بالصراط اللامستقيم. ويؤكد بعربية لكنهتا ريفية لا تخطأها الأذن، يؤكد "صعوبة السياقة على هذه الطريق". إلا أنه يتمنى أن ترحم الأقدار ساكنة المنطقة بهبة ربانية

أما حسن، 26 عاما، شاب نجح في عبور الـ 70 كيلومترا التي تربط أقرب نقطة حدودية بحرية اسبانية منطقة بني بوفراح، فتسببت له رحلته على هذه الطريق في أعطاب بسيارته، اضطر معها إلى النزول إلى مدينة الحسيمة لإصلاحها. إلا أنه يششد على أنه سيعود كل سنة لزيارة الوالدين والأهل، حتى لو اضطر لأداء ثمن ذلك غاليا


صفر من التنمية
تقوس ظهره، شابت لحيته، سقطت كل أسنانه، بجلباب بلدي، و"رزة" ريفية، وعصا يتكأ عليها. هو الشيخ ادريس، 80 عاما، بعد أخذ ورد، قرر الحكي عن حسرته وتأسفه على منطقته الريفية التي سقاها بجهاده ضد المستعمر إلى جانب البطل التارخي "محمد بن عبد الكريم الخطابي"، وكفاح سنوات الجهاد الأكبر. شاهد حي على الوضع اللا متغير لمنطقته التي فتح عليها عينيه ذات صيف من عام 1924

تقدمت به سنوات العمر كثيرا، إلا أنه يتمنى أن يرى رياح التغيير والإصلاح تهب على بني يوفراح، وقد فرح كثيرا عندما تم ربط منزله الطوبي بالشبكة الوطنية للكهرباء. وأحال قنديله اليدوي ـ الشهير بين أهالي المنطقة باسم "حميدو" ـ على التقاعد بعد سنوات كان وفيا فيها لصاحبه في مشواره اليومي فجرا وعشاءا من الدار إلى المسجد

يصف العم ادريس حاله: "لم يتغير شيء... لدي بنتان... تزوجتا... ابني الوحيد هاجر إلى اسبانيا... حْــرك... الله عالم إذا كان حيا أو ميتا... أنتظر رجوعه..." كلام الشيخ الريفي كان متقطعا، والجمل يفصلها سعاله الجاف

من شباب المنطقة كان اللقاء بعبد العزيز. م، 20 عاما، انقطع عن الدراسة في السنة الثانية إعدادي، يعمل في أحد قوارب الصيد التقليدية، يعبر عن يأسه من ضعف موارده المالية ولا يتردد في الإفصاع عن رغبته في الهروب من هنا عبر الحْـريك. "الباطرون الكبير" صاحب القوارب الصغيرة والكبيرة يأكل عرقنا... لا يدفع لنا إلا القليل... وأبي رجل كهل... أنا معيل أسرتي... ما العمل

"خميس" الأسبوع
السوق الأسبوعية لسكان منطقة بني بوفراح الشهير باسم "الخميس"، لا زال كما تركه الاسبان، مع انهيار شبه كامل لبوابتيه الرئيسيتين، والتهام مياه الفياضانات المهولة التي عرفتها المنطقة لقنطرته، مما جعل الأمطار تعزل السكان عن السوق. السيارات تؤدي مقابل ولوجها مالا رغم عدم وجود أي طريق معبدة عدى "البيستة"، حسب التسمية المحلية للطريق الزراعية الترابية غير المعبدة

إلى جانب السوق، مركز "المْــرج" حيث مقر السلطات المحلية، وبعض المصالح الخدماتية لسكان بني بوفراح، من مستوصف لا زال يوزع أقراصا وردية اللون لكل الأمراض، ومسؤولين لازال تعاملهم مع المواطنين يتم بعقلية تجاوزها مغرب القرن الحادي والعشرين

اللافت للانتباه في "المْــرج"، المقاهي التي تترجم ارتفاع البطالة بين صفوف السكان، وهي ملجأهم لتجزية الوقت، بشرب كؤوس الشاي المنعنعنة، ولعب "الضامة" أو البارتشي" أو الورق. ومن الظواهر الجميلة التي تنتشر بين رواد المقاهي، مشاهدة القنوات الإخبارية، وتحليل ما تحمله، لتتحول الجلسة إلى ندوة سياسية يعطي عبرها السكان معنى لحياتهم وهم يتابعون "العربية" أو "الجزيرة" أو "أبو ظبي". أما مع بث مباريات كرة القدم فيكون الصراخ أكبر أو "الـزْكي" تبعا للتسمية المحلية

بين نــارين

قبل عامين، فجعت ساكنة أحد مداشر بني بوفراح، واهتزت القلوب، ودمعت العيون. كان الخبر: غرق قارب للهجرة السرية انطلق من شاطئ "طوريس" صوب ألميرية الاسبانية عبر 70 كيلومترا بحريي، والحصيلة 20 شابا لقوا حتفهم غرقا في مياه المتوسطي. لتكون الكارثة، وهول المصاب الجلل

غرق شباب المنطقة خلال رحلة اللاعودة إلى الشمال يتكرر كل يوم، عبر قارب خشبي متقادم كآخر أمل للفرار من مطرقة البطالة، وسنديان التهميش، نارين يكتوي بها السكان

مع محدودية المستوى المعيشي، ندرة فرص الشغل، ضعف المستوى الدراسي، وعودة أبناء المنطقة ممن حالفهم الحظ في الوصول إلى اسبانيا، عوامل لا تترك أمام الشباب إلا ركوب مغامرة البحر بمبلغ يترواح بين 4000 و 10.000 درهم

ليكون الهروب من سنوات البطالة البيضاء عبر البحر المتقلب، فإما النجاح في دخول الإلدورادو الأوربي، أو شهيدا في قعر المتوسطي، ليحترق قلب أم قضى أعواما في الرعاية والتربية، أم رفضت تصديق أن لحسن، محمد، أحمد قد فارقها إلى الأبد

سماسرة الموت ينشطون بقوة خلال الصيف وتحسن الأحوال المناخية. علي، 40 سنة، بحار حول قاربه من صائد للسمك إلى صائد للمحبطين، يؤكد وجود "مسؤولين" يوفرون له مظلة الحماية مقابل مبلغ مالي عن كل عملية. يقر علي بأن ما يفعله لا يرضي عبدا ولا ربا، ولكنه يعتبر أن هذا الدور ساعد الكثيرين في النجاح هناك بعيدا عن المنطقة

شاطئ طــوريس

غير بعيد عن "باديس"، أحد المستعمرات الاسبانية الباقية فوق التراب المغربي في القرن الحادي والعشرين، يقع شاطئ "طريس" الشهير بين كل من زار منطقة بني بوفراح. شاطئ صخري جميل، يحلوا المقام فيه خصوصا صيفا. ومع ساعات الغروب يكون المنظر رومانسيا، وتكون الجلسة حلوة رفقة الأصحاب وكؤوش الشاي الأخضر المنعنعة. وتنتشر على المقاهي الثلاث للشاطئ جماعات صغيرة تسترق لحظات جميلة والشمس في رحلة غروبها اليومية

الشاطئ على ما حبته الطبيعة من جمالية، لم يشهد أي تجهيزات سياحية يستفيد منها أبناء المنطقة، وزوراه الموسميون، باستثناء الخيم التي يحملها الزائر معه. قبالة البحر، غابة لا تزال تقاوم بصمود "ريفي" عوامل التعرية، وشاهدة على زمن جميل مر من هناك. السلطات المحلية منعت المصطافين خلال الصيف الماضي من إقامة خيمهم لأسباب لم يتم الكشف عنها

ومما يفسد منظر الشاطئ الجمالي، قيام أشخاص بغسل سياراتهم قرب البحر، ومستنقع صار حضوره كل عام، يتسبب في انتشار الحشرات الضارة التي تؤدي الرواد. وأعلى جبل الشاطئ "طوريس"، أبراج سبعة تؤرخ للمنطقة، تسبب زلزال العام 1994 في انهيار 5 منها

تقول النسوة إن أمواج بحر طوريس فيه علاج من السحر وضروب العين والحسد. فما على المرأة إلا الحضور باكرا مع خيوط الصباح

الأولى، واستقبال 7 موجات، ليكون العلاج من نصيبها، والحظ حليفها

رغم كل هذا، يصر سكان المنطقة والزوار على الحج

سنويا إلى طوريس، حتى سارت بذكره الركبان مع كثير من الحزن والأسى على حاله. بينما يتذكر عديدون أيام التجار اليهود، و"شلومو" الشقي ومغامراته مع سكان المنطقة، ومواسم الاصطياف التي قضاها أجانب من القارة العجوز سحرتهم شمس طوريس، وأخلاق سكان المنطقة، وجوها الفردوســـي

Publicité
Commentaires
Publicité